هذيان

ضوء مبهر يخترق جفوني أحاول أن أحجبه بيدي فلا تطاوعني ، أفتح عيناي جاهدة يترائي أمامي أشباح بيضاء .. الحجرة بيضاء.. أضواء مسلطة علي وجهي، وأنا ممددة علي ظهري اسمع اصوات مشتتة ..واتوه فتفقدها أذناي
- إمراة !!
- نعم ..
- ولماذا
- لأنها أسهل في الانقياد
انقياد ..! لست ممن يقاد
أحاول أن انهض دون جدوي ، فأنا لا أملك جسدي ..
أملك ذكري .. حلم لو يكتمل .. اسطورة ؛ والبطل مجهول ، والزمن مجهول ، والواقع .. ممنوع الإقتراب
- هل تسمعنا الآن يا دكتور
- نعم لكنها لا تستطيع التكلم
- لماذا لم نفقدها وعيها بالكامل ؟
- لابد أن نراقب كل ملابسات التجربة
اي تجربة .. ما الذي يفعلونه بي هؤلاء الحمقي ..أين أنا .. يا لطنين الاجهزة المستفز .. تري ما الساعة الآن ؟ لا أشعر بساعدي
أحاول أن استرق النظر بطرف عيني ، معصمي فارغ ، الكثير من الأسلاك ،الإبر المعدنية ، وقطع اللاصق الأبيض تغزو ذراعي ..
لا أحب هذا اللاصق ، طالما نزع جلدي أثناء انتزاعه ..
ولكن أين الساعة ، تلك العقارب الفضية الشقية التي تمنحني البهجه مع كل ثانية ، وتطل منها دنيتي الطيبة .. دنيتي الوردية ..نزعوا الساعة .. أخذوها مني
- اعطيني المشرط .. راقب النبض
أهناك نبض .. إذن ما زلت ضمن الأحياء طالما أن قلبي ينبض .. ماذا يفعلون .. أود الصراخ دعوني وشأني .. ولكن صوتي قد سُلب .. تري هل يسلبوني صمتي ؟
- انزع الرئه
- هل سبندأ بالرئة
- نعم سنبدل كل الأجهزة .. سنجعلها نصف آلية
انزعوها إذن لا اريدها .. فأنا لا اتنفس هوائكم ، لا أحمل دم أفعي ليسري هوائكم الملوث داخلي .
المشرط يهبط .. يعلو .. تكسوه دماء .. تكسوه دمائي .. أخذوا أشياء من صدري .. وضعوا اشياء .. ويعود المشرط يشق ، وأياد تنزع وأشياء توضع .. وأنا ... عاجزة يعتصرها الألم
يبدوا أن عقاقيركم يا سادة لم تخدر مشاعري ؛ مشاعر حمقي جامحة ، محبوسة في وجه صخري .. والروح .. الروح أضعف مما تنسجه دودة القز .. كان لأخي صندوق صغير يربي فيه ديدان القز ..أين الحرير لا أري إلا الديدان وبقايا ورق التوت اليابس .. واخي ..من أخي .. ومن أنا .. أنا كهف من ورق
- مستحيل !!
- ما الذي يحدث
- كلما نزعت القلب ينبت من جديد !!
- أهناك تغير جيني ..
- لا دخل لذلك بالتجربة .. انه غير معقول
قلبي لا ينزع ايها البلهاء الأغبياء .. لو سألتموني من قبل لأخبرتكم ؛ لم استطع ابدا انتزاعه ، حاولت إخراسه .. تجاهله .. تلاعبت في دقاته ..طمست رسائله .. كاذبة؛ لم أريد أن أكون هو .. ولكن الحقيقة أنه أنا .. أين أنا ؟؟
- ربما إذا استئصلناه جزء بجزء لا ينبت .
- سوف أشقه نصفين
- أجزاء يا دكتور ..
- لا وقت لدينا .. ها قد نزعت النصف ولم ينبت نصف آخر
دمائي تسري ولو في قلب منشطر النصفين .. أليس كذلك يا نصف قلبي ؟
انزعوه ،ابعدوه واجعلوه اكثر قسوة .. اكثر حباَ .. اكثر عنفاً ،فإن دمائي تسري وإن بردت ..تغذي عالمي ..عالمي المليء بالمجنحون والأجنحة .. ألن تعطوني أجنحة آلية ؟
قديما منحوني جناحات بيضاء ، لكنني لم ألعب دور الملاك ، فضلت الجناحات السوداء ، و لم استطع قط تقمص دور الشيطان ، ألا يوجد ألوان أخري بين الاسود والأبيض !
لماذا تهرول الأطياف البيضاء من حولي ؟
- شيء عجيب ، كل الخطوات مدروسه ، ما الذي يحدث ؟
- يجب استئصال القلب ،وإلا لن يعمل القلب الآلي ..فلنفعل شيء لتلفح التجربة .
- اعطوني مشرطين
يا قلبي المسكين ، اتتحمل الطعنات المزدوجه ؟
- لنقتل الخلايا
- نعم نكويها .. فليكن الكي
وهل تحرق الإرادة ! احرقوا المرئي لكم لكنكم أبدا لن تحرقوا ما لا ترون .. وما لن ترونه ابداَ .
أنا أري ما لاترون .. أري التمرد بين أمواج البحر الصارخة .. الصامدة .. تفتت الصخور في صمت وصبر وكبرياء ، أري البريق في عيون تلك الفنانه المجنونه الحنونه لأدرك أنها وجدت شريكا لحياتها ؛ صديقتي القديمة التي لم تعد قديمة .. ولم تكن صديقتي .
أري الخوف في عيون من أحب فلا أجيبهم سوي بالعجز ودموعي الغير مرئية .
هل قصرت في حقهم .. هل استطيع مساعدتهم؟ .. كيف وأنا أحيا داخل نفسي .. وهل استطيع مساعدة نفسي ، لكنت دافعت عن قلبي الممزق بين أيديهم السوداء في القفازات البيضاء.
- الوقت ينفذ .. دع القلب للنهاية .. فلنستبدل باقي الاحشاء .
الوقت ينفذ ، يضيع من بين يدي ، وأنا اسعي ولا اصل ، ربما لأنني اسعي ايضا داخل نفسي ، هل سيجعلون مني آلة حقا ، ولما لا.. ربما استطيع السير دون توقف ؛ فالآلة تعمل بوقود واحد ، وأنا أسير بوقود نفسي طالما ينفذ ، وقود صحي لا يحملني كثيراً ، وقود عقلي لا أحسن استهلاكه ، ووقود رؤية قلبية اكبر مني ولكنها لا تحملني .
- لا تضع شيئاَ مكان الرحم
أيحسبون أنهم ينتزعون أمومتي .. أنا أحلم من أجل الأبناء .. كل الأبناء
فأنا أم من رحم الأمه أبنائي سوف يولدون من رحم اليأس وبين عيونهم قناديل تنير الطريق
هم كنور .. أصغر الصغار .. يقولون أنها تحمل بعض ملامحي .
- كل شيء هنا لا يعقل .. غريبة هي .. غريبة حقا
يا لتلك الكلمة المكررة المستهلكة ، نعم أنا الغريبة .. لو كنتم جميعكم غرباء .. لو كنت بسطاء .. لو كنتم أدباء .. والادب بضاعة محتالين ,وانين من طهر الشرفاء.
أنا الغريبة يا عيون اشعر داخلها بالغربة
أنا الغريبة يا كل معني يحمل وجهان
أنا الغريبة يا قبر أبي
أشعر بجروحي .. زال المخدر .. استطيع أن احرك أصابع قدمي ..واصابع يدي أيضا..
- تعطل الكبد الصناعي ..
- والرئه ايضا
- اننا نفقدها..
- افعلوا اي شيء ... لقد انفقنا الكثير علي التجربة ..
عبيد النقود أنتم ,وانا أمة الله
- كل شيء يتوقف .. لقد فشلنا ..
دائما انتم الفاشلون الخاسرون ، وأنا .. ما أنا سوي هذا القلب الذي أرهقكم .. وأتعبني حقاً .. إلا أنني عشقت آلامه
- انتهي الامر
- لا فائدة
- ابلغ الإدارة العليا
عليا .. عليا .. عجبا يا قاطني الدنيا ، ها انا استطيع تحريك يدي قليلا .. اسحبها ببطيء .. أرفعها فوق جسدي .. تمر علي الجروح والندوب والدماء .. اصل اخيراً إلي قلبي
- انتبهوا انها تتحرك ..
- حقا .. ما الذي يحدث !
انتزع قلبي من موضعه أرفعه علي سارية هي ساعدي تشق دمائه عليها ألف نهر ، ألتفت إليهم ، يلبي صوتي ندائي الأخير ، يحمل كلماتي .. " امنحوه جسد .. امنحوه جسد يقدر علي احتوائه "
تمت بفضل الله ،
شيماء زايد
26/10/2009
11م
شيماء زايد
26/10/2009
11م