السبت، 14 فبراير 2009

الهمسة السادسة عشر (كفر داوود)


في استراحة المحطة حيث المقعد الخشبي الوحيد والمتهالك كذلك ، داخل الحجرة التي تراكم علي أرضيتها الغبار ، حتى انه أصبح من المستحيل أن تدرك اللون الأصلي للأرضية .
جلست ووجهي للجدار أراقب الحائط الذي انكشف أسفله فطلت أحجاره من بين الشقوق ، وامتدت العبارات المحفورة علية حتى السقف العالي قديم الطراز .
أسماء أشخاص وبلاد وعبارات متنوعة محفورة في الطلاء الجيري المتساقط ، حتى يظن الناظر من بعيد أنه أمام لوحة سريالية مبهمة .
فإذا اقترب ودقق النظر طلت التفاصيل لتعلن عن مضمونها .
في محطة كفر داوود ها أنا انتظر القطار وأتأمل الرحلة .
رحلة الذهاب ورحلة الإقامة ورحلة العودة .
وما بعد العودة يحلق كعلامات استفهام مجنحة حول علامة تعجب كبيرة .
منذ قليل مررت علي صحراوات شاسعة علي مد البصر ، يكسوها كثبان رملية صفراء ما بين مرتفعات ومنخفضات ،
لا نعدم فيها اللون الأخضر يشق طريقه – ولو مختنقا- بين الرمال ، يقاوم من أجل البقاء ، يناضل من أجل الحياة .
ها هو القطار يطلق صفيره ، وعلي أن ألحق به .
من شباك القطار المحطم الزجاج أراقب اللون الأخضر يزداد شيئا فشيئا، نباتات الصبار صامدة علي حواف الحقول الرملية التربة ؛ تلك النباتات الشائكة الصلبة المظهر التي لا يكشف مظهرها ما تحتويه من سائل رخو داخلها.
كبرياء النخيل يأسرني وأتعجب لحال الطيور المحلقة في هذا الطقس القارص البرودة ، والقطار يسير .
وطائر أبو قردان مازال يمارس عمله في الحقل وإن أحالوه للتقاعد.
وكأن الطبيعة كلها لا تعرف الاستسلام ، تلك الطبيعة نفسها التي لم تسلم من أيدي العابثين .
منذ قليل كنت أظن أن محطة كفر داوود تحمل ورائها مناظر أكثر بشاعة وخراباً، والآن ، وما بعد الرحلة ...
تتضاءل علامة التعجب أمام عيني ، وعلامات الاستفهام تضرب بجناحيها الهواء .
ها نحن الآن في محطة قطار إيتاي البارود ،
منعطف آخر علي أن استقل منه سيارة إلي دمنهور .
من حسن الحظ أنني انتظرت قليلا ليكتمل عدد الركاب ، هذا الانتظار نفسه الذي اعتبرته في البداية من سؤ حظي .
أتاح لي الانتظار أن أتأمل وجوه الراكبين ؛ وجوه حزينة مكسورة وعيون منطفئة ، والجميع يترقب الراكب القادم تحت سحابة من الملل والتبرم.
واكتمل العدد وإن لم يغير من انكسار الوجوه وانطلقت السيارة ، فآثرت متابعة الطبيعة من الشباك الذي جلست جواره كعادتي .
ها أنا علي الطريق الزراعي ، ثلاث وسائل مواصلات للانتقال من مدينة السادات إلي دمنهور علمتني الكثير .
علمتني كيف يحول الإنسان وجهته من الطريق الصحراوي إلي الطريق الزراعي من كفر داوود .
هاهي الأشجار تصطف علي جانبي الطريق ، مازالت صامدة .. ومازالت تيجانها خضراء تزهو تحت أشعة الشمس الذهبية .
نعم أعمدة الإنارة المعدنية تفوقها عددا إلا أنها لم تتلاشي .
ها أنا أراقب الخضار ، أراقب الجمال الذي يئست من لقاءه بعد كفر داوود .
تتلاشي علامة التعجب في الأفق ... كان يلزمني إذن نقطه تحول مثل كفر داوود لأسلك الطريق الزراعي.
ها أنا في دمنهور ، وعلامات الاستفهام تحلق في كل اتجاه تبحث عن أجوبة فيما بعد الرحلة .
- إلي أين ؟
- شكرا لا أريد سيارة أجرة .
- لن تجدي سيارة أخري لتقوم بتوصيلك.
- استطيع الوصول وحدي .


،تمت بفضل الله
شيماء زايد
2 فبراير 2009
9 ص

هناك 20 تعليقًا:

Hanan Elshafey يقول...

حبيبتي شيماء
اولا رحلة مباركه
ثانيا جميلة تدوينتك
بل رائعه عمدت فيها للتصوير الشفاف رحلت معك الي كفر داوود المجحف الاجدب تشبعت عيناي بخضرة الاشجار المتصافة ورأيت بريق التيجان
أذهلني انكسار العيون
اقبلت بريشتك تخطين رحلتك فمحوت كل المسافات وحملتي القارئ معك في رحلتك
حبيبتي
صياغتك الادبيه بسيطه وواضحه مع عمقها واتساع مدلولها
نقطة التحول ذات وجود عميق في العمل
خاصة ما مرت به من تدرج ورقت حتي بريق التيجان
شيماء
دوما في كتابتك استشعر املا صادقا يحيي نفوسا قد يعتريها الحزن
ابدعتي بتلك الرحله استمتعت كثيرا
واملا جديدا اكتسبت

غير معرف يقول...

فى عيد الحب

تهدينا شيماء زايد باقة من لوحات الطبيعة المبعثره التى جمعتها من عدة بلدان فى رحلتها الصغيرة ..

باقة جميلة ولوحة فنية رائعة ... استاذنك فى اضافتها بكل الود والحب الى الهدايا التى تلقيتها اليوم ..


شكرا شيماء

استمرى فى رسم الكلمات

فدائما اشتاق للوحاتك

تحياتى ايتها الرائعة

اختك

الشيماء تاج الدين

ادم المصرى يقول...

الله يا شيماء

بجد استمتعت بل تمتعت وفرحت عيناى

وتمتعت انفى من رحيق الطبيعه التى

اشمتتها معك فى هذه الرحله الجميله

بوست رائع جدا واتمنى لو تكملى مسيرتك فى

الفسح الجميله دى نفسنى نشوف تانى

hasona يقول...

السلام عليكم
تصوير جميل

غير معرف يقول...

:) كالعادة تدوينه هايله
رائع التوصير لكفر داوود ومافيه من صور كالصبار والنخل الصامد والطيور المحلقه والذى من الممكن او قد يكون صدفة ان يسمى هذا المكان بكفر داوود لان داوود فى ذهنى هو من آلان الله له الحديد ومكّن له فى الأرض برغم ماكان فيها من مصاعب ...
بارك الله فى قلمك
محمد اسامه

غير معرف يقول...

عندما قرات تلك الهمسة التى همست فى قلبى قبل ان راتها عينى كنت قد دهشت من عنوانها كفر داود وكان الاسم قد طرق على اذنى ولاننى اعلم انكى ليس لكى علاقة بتلك البلدة الصغيرة لكنى اعلم من هى الفنانة الملكة الجميلة التى تتوج الصورة فى براعة ومهارة فتلاهفت لكى اصل لنهاية الهمسة لكى اعرف مقصدك مليكتى وتساءلت

ها نحن مثل الاشجار الصامدة؟
هانحن مازلنا نتحلى بتيجان خضراء؟
ها نحن هكذا ام اتت على قلوبنا العمر فكان كفيلا لانكسار الوجوة وهل من خسائر اكثر من ذلك؟

الى اين؟
لكننى اريد سيارة الاجرة لكى اعرف الى اين
ليتنى احتاج لطريق كفر داود لكى اعرف الى اين؟

حبيبيتى انتى رائعة وفنانة جميلة اتمنى لكى النجاح الذى يرضيكى

غير معرف يقول...

حبيبتى شوشو
عشت معك تلك الرحله لحظه بلحظه وتمتعت بكل ما هو جميل من سحر الطبيعه الصامد امام كل محاولات كسره حقا قلمك معبر واحساسك يجعل من يقرا يفقد الاحساس بالمكان ليعيش معك فى نفس المكان لكن ليست السياره هى التى يجب ان نستغنى عنها لنصل بانفسنا ولكن اشياء كثيره جعلت الطريق امامنا مزدحما يكاد لا يرى

شيماء زايد يقول...

حبيبتي حنان

من الجميل ان نكتب عن امل صادق والأجمل ان يدق الامل نفوس صادقة

وكأنك ترين بعيني وتحيين بنفسي في كفرب داوود

كل التحية لك يا رياح الحنين

شيماء زايد يقول...

الشيماء تاج الدين

مازلت تؤكدين صدق ناموس الأطياف

عزيزتي المحبة بل أرجو ان تتقبليها ضمن هداياكِ
دمتي بكل خير ونقاء

شيماء زايد يقول...

ادم المصري

الشكر لك
وكل الشكر للطبيعة

وطالما انك تتابع الهمسات فقد اصبح لهمساتي هدف اراضئكم بمداد لا يجف بعون الله

شيماء زايد يقول...

hasona
وكذلك تعليقكم

شيماء زايد يقول...

محمد اسامه

كفر داوود نقطة تحول
وما بعدها اجمل

لان الطبيعة صامدة

شكرا لك يا فنان

شيماء زايد يقول...

دينا (دنيتي الطيبة )

عليك حبيبتي ان تبحثي عما بعد كفر داوود
او ما بعد أي كفر
لا تستلمي لمحطة الانتظار
فقد يليها جمال الطبيعة اللا محدود

الرائع في حياتي هو انتي
والفنان من يملك حس الاستمتاع بالفن

شيماء زايد يقول...

دودو نصف قلبي

صدقتي اختاه إن الطريق مزدحم ، ولكن لابد ان تكون لدينا الشجاعه الكافية لنصل

الغريب أن الرؤية من بعيد اصدق وإن لم تكن اوضح

تايه في وسط البلد يقول...

نعم نعم
اذا ما كان التأمل واستشفاف ما وراء الواقع هو سيفك فلا اقل من ان تملكي اليقين في طريقك وصحة اختيارك بل وتمتلكي القوة الذاتية للوصول دون الاستناد الي احد

تهانئي بوصولك - ليس لدمنهور فقط - واهلا بك مع اصحاب اليقين

تايه في وسط البلد يقول...

بالنسبة للتعليق الماضي ومنعا للبس فقد نسيت ان اوضح انني لست ممن يتقبلون التاج علي مدوناتهم ولكن مع ذلك فاجاباتك حثتني علي اعادة النظر لا سيما اذا ما كان التاج قرينا بكل هذا الجمال..لذا فقد قلت ولا ازيد

شيماء زايد يقول...

تايه وسط البلد

شكرا لك ، ومازال هناك ما وراء الوصول
دعواتكم
وفيما يخص لا ازيد

تعددت الاراء حول التاج
ولا انكر انها تجربه جيده

وقد عنيت بما "هو ازيد "

ما قد يدفع الاخرين لاعادة النظر ، لانها اجابات عادية
اوضح انا الاخري منعا للالتباس
مرور طيب
وزائر مرحب به دائما

الوردة البيضا يقول...

صديقتي العزيزة والفنانة الرقيقة شيماء
تأخرت عليك كثيرا في الرد على التاج الذي شرفتيني بإهدائه لي، لكني أخيرا فعلتها والحمد لله.
ربنا يديم المعروف والود بيننا إن شاء الله
تحياتي وحبي لك

غير معرف يقول...

تحملنا الرياح معها اينما ذهبت ربما لتبعثنا على تأمل متغيرات الواقع وتسكننا في ثنايا اللحظات الضائعه من عمر ايامنا ..

رحلتك عبر الاثير ممتعه وتحمل معنى الصفاء و مدلولات الرؤيه الواضح في نظرات حرفك ..

دمتي رسامه الحرف ..

شيماء زايد يقول...

حبيبتي فتات فراشه

الرحله الاروع هي رحلتي بين نفوس تحيا الرحله وتشاركني اياها بتعليقاتها
دمتي نفس مسافره
اتمني ان تجمع فتاتها عما قريب