أنا والدنيا ... أوراق مبعثرة
بقلم مي القوني

ما زلت كباقي الناس على وجه هذه الأرض ألملم بهم من كل مكان ... ابحث عما ينقص منهم ... لعلي أجد بعضهم و أنا أجول في طريقي عبثا حينا ... و حيناَ آخر أجد غيرهم عندما أتخبط في الدروب القريبة و البعيدة ...
هي الدنيا التي رأيتها ككتاب مبعثرة أوراقه .... في كل مكان وفي كل زمن ، بين الناس ، و في الطرقات ، و في العيون ، داخل القلب ، بين طيات الأعمار ، داخل أعماق البحار ، فوق السحاب ، بين أسراب الحمام ....
مازلت ابحث عن معانيها أحاول فهم ما فيها ... و كل ما زاد عمري أراها مختلفة جديدة غريبة حتى آلفها فأعي معناَ جديد ، فأراها مختلفة جديدة غريبة حتى آلفها و هكذا و كأنها ورقة جديدة أضيفت لرصيد صفحات كتابي السابقة ...
فسطور تحكي عن الدنيا في عيون الناس أراها جميلة في عيون .. تنبض بالأمل في عيون .. تقبضني حين ألمس بها الخيانة تنطق ما لا تخفي فاعلم أن الدنيا خائنة .. أما تلك العيون كما النسور علمتني التحدي فلن تهزمني الدنيا و لن تعجزني .. وجدت نفسي بداخلها تلك العيون التي علمتني الحب وكيف أنه يروي العروق كيف يُسكن الأمان في النفوس و عيون الخوف و عيون الحلم و عيون و عيون .....فكانت العيون أوراق لفصل في كتاب الدنيا ...
كتاب الدنيا فصولا كثيرة و أبواب عديدة به أنغام و ألحان آهات و آلام .. أحلام و مخاوف .. به حب وكره .. به أمن و وجل .. به دعة و نصب .. يأس وأمل .. ابتسامات و دموع .. ظلام و نور..
الدنيا التي تسقينا تجارب و تنهل علينا يوما بعد يوما بأحلام جديدة .. يتلو تحقق الحلم حلماً أكبر و أعظم .. ونحن معها نسير بعضنا يعلم إلى أين وآخرون هائمون لا يدرون إلى أي مرمي ذاهبون ...
صفحات تلو صفحات تزيد يوما بعد يوم .. ولكن العجب كل العجب كيف رأيت كل منا كيف يحمل كتابه .. هل كلنا نتدبر ما بها من الكلمات و نعيد عليها النظرات فنتبين الخطأ و الصواب أم نضع نصب أعيننا نظارة سوداء أم نكتفي أن نحمله بين أيدينا بلا معني ونقول هي الدنيا ...
من منا يجمع أوراق الدنيا ليراها كاملة فلا يتخبط بين أحجارها .. فلا يعجز.. فلا يسقط من أعلي جبالها لأنه رأي في كتابه معالمها الصحيحة .. لا ييأس لأن الدنيا علمته أن الفشل بداية النجاح ... لا يجزع لأن الله خالقها و باريها ... و هل أحد منا يري الدنيا ويفهم كل معانيها ..
و حين تركت لكتابي العنان لينطق معبرا عما في أغواره فإذا بسؤال ينطلق من بين طياته في أي مرسي ستركد سفينتي .. وكثيرا ما أسال نفسي هل أخذتني دنياي لطريق صحيح أم ضللتني فلا زلت أعبث و أحاول في طريق خطأ ، و إن كان فهل ستعيدني إلى صراطي الصحيح ..
و لا زلت أقلب في وريقات كتابي مبتسمة الذي أجزم أنه لا زال صغيرا ففيها الكثير و الكثير ، فإذا بعيني تسبح في السماء تتعجب من حال دنيانا أو بالأصح من يعيشون بها فإذا بها تجول بين من رأتهم وتري حالهم .. كيف أن كل من فيها يضع نفسه داخل إطار ضيق به مرآه لا يرى إلا نفسه فهو فقط المضحي الذي يبذل و يعطي و يصاب و يبتلى ... و حين اسمع ذكرياتي فإذا بي من هؤلاء فترقرقت عيناي لتمتلئ بالدموع لأني كنت آخر من نظرت عليه .. فإذا من تقليب كتابي تضاف صفحة جديدة تؤكد ـأن أخطاء الآخرين دوما مصابيح تضيء أمام أعيننا أما أخطائنا فهي دوما مظلمة لا نراها فليجمع كل منا أوراق الدنيا المبعثرة و يقلب كتابه علنا نتعلم .
فإذا فجأة بكلمات توقظني من غفلتي و تعيد عيني من بعيد .. كلمات من وحي صفحات كتابي و ما كتب به .. تضع نفسها عنوان لكتاب دنياي فكلماتي تقول أن :
" الأمل هو الهواء الذي سيحي كل طائر مغرد و أن ماتت كل المعاني ... "
الطائر المغرد
مي القوني