الخميس، 16 أكتوبر 2008

الهمسة الحادية عشر (صائد الفراشات)




أحب الطبيعة، عشق وجوده بين سنيا الضوء المحملة بألوانها الباهرة ، وجوده بين الأضواء والألوان يستر مساحة فارغة داخلة ؛ يسترها دون أن يملئ فراغها.
في الغابة – حيث الطبيعة – بني مسكنه بعيدان من قصب وأساس من قش ،اعتاد كل صباح بعد تناول الإفطار أن يقبل أبناءه قبلة روتينيه ، ويخبر زوجته بابتسامة مصطنعه أنه سيفتقدها طوال غيابه، ثم ينظر علي صورته التي رسمها وألصقها علي كامل المرآة ليتأكد من انه – أي أنها- كما يجب أن يكون .
في عمق الغابة تتنقل فرائسه بخفة وحيوية ، تلك الكائنات الصغيرة والضعيفة الشديدة الجاذبية .
يبحث عن أكثرهم ذكاء وجمال وتميز ، يتفنن في نصب المصايد والشراك ؛
تلك الشراك التي يغزلها بحنكة ودهاء بفتلة من حرير وأخري من حديد ، ويلقي طعمه الذي هو مزيج من السم والعسل ، وينتظر رحيل الشمس .
وأخيرا يضيء كشافاته لينبعث ضوءها – علي أو خفت – كلاً علي حسب نوع الفراشة .
ورغم إحساسها بالخطر لا تقاوم انجذابها لمصدر الضوء، إنها طبيعة الفراشات .
وعندما تسقط يخترق صدرها بسلك صلب ليصنع منها حلية يضعها جوار ضحاياه السابقة في طوق انجازاته الذي يزين به صدره دائما . يزين صدره بتهشيم صدرها ، ويرضي غروره بإزهاق روحها .
في ذلك اليوم وجد ضالته فراشة صغيرة تتألق بألوانها الرائعة البديعة التناسق وخفتها الغير عادية ، كانت أكثر ذكاء من كل الفراشات التي قابلها من قبل ، لم تفلح معها الشراك والمصايد ، استطاعت أن تصل للضوء دون أن تسقط ، لم تسلب الأضواء الصناعية وعيها .
حاول مراوغتها ومداعبتها ، منحها بعض الأمان الوقتي وانقض عليها ؛ إلا أنها دائما ما استشعرت الخطر بلحظة قبله ، دائما ما سبقته للنجاة بلحظة .
كلما نجت من شرك ، استشاط غضبا وازداد رغبة في امتلاكها ، مازالت تنجو ومازال إصرار رغبته ينمو
حتى صار شبحا طمس روحه فنسي كل شيء عدا فريسته .
لمعت فكرته الشيطانية قبل الشروق بساعة ، نعم إن لم يستطع اقتناصها فيكفيه أن يحرم أي أحد آخر منها ، عندما تبدر الشمس رماح أشعتها لتبدد جيوش الظلام ، سوف تنفتح لها السماء بأسرها فتطير أينما تشاء وكيفما تشاء ولن يستطيع اللحاق بها .
بدأ في تنفيذ خطته لإبادتها جمع الحطب في عجالة بهمة عالية ، كوم الحطب فوق جذع شجرة سبق أن حرمت من الحياة هي الأخرى .
وأشعل النيران فتعالت ألسنتها ، إلا أنها لما تكن أكثر حدة من الشرر المتطاير من عينيه .
كالسحر كانت الفراشة تستسلم لنداء النار ، دارت حولها مرتين ، شربت الكأس الأخير من دخانها ، وارتمت في سعيرها .
عندها فقط امتلأت عينيه بنشوة الانتصار ، عندها فقط شعر كأنه ملك متوج علي الكون بأثره ، عندها فقط خط التاريخ انه ابرع صائد فراشات ؛
وخط أيضا أن ابنته كانت طعاما لوحوش الغابة ...عند هذه اللحظة فقط .

تمت بفضل الله ،
شيماء زايد
الجمعة 3 /10/2008
الساعة 10:20 م

هناك 12 تعليقًا:

مي القوني يقول...

تري هل نلقي اللوم علي الفريسة لأنها استسلمت للضوء .. أم علي الصائد الذي استباح لنفسه ما لا يستحق ..

شيماءالقصة ينقصها كلمتين بس أنت عرفاهم صح؟؟!!

شيماء زايد يقول...

الطائر المغرد
دمت مغردا لا ينقطع تغريدك يوما عن مسامعي.

لا نستطيع أن نلوم الفريسه لان الانجذاب للضوء طبيعتها ، و لا نستطيع ايضا أن نتغاضي عن لوم الضعف فيها

وقد علمت بأن هناك فراشتان قادتهم الحياة إلي الصياد
فأما أحدهما فاستشعرت الغدر من أول لحظه فضمت جناحاها جيدا فصارت كالكتاب المغلق لا ينفتح إلا عن صفحات أرادت للصياد أن يقرأها
اعطته الأمان حتي اذا ايقن انها في قبضته حلقت مبتعده ،
وأما الاخري فاستطاعت أن تنجو من مصيدته عندما كان يلاحق صيدا آخر
انسحبت في هدوء وخفه وفي الانسحاب شجاعة تفوق المواجهة .

فتحية لهم لان في هذا النوع من الحروب تكن كل الاسلحة مباحة .

وعن الصائد فمن الرحمة أن نشفق علية
وندعو له .

غير معرف يقول...

انا اؤيد كلامك ومعاكى ياشيماء هناك أنوع من البشر للأسف نقابلهم فى حياتنا ونتعامل معهم بمنتهى العفوية والصدق اعتبارا منا انهم قدوة حسنة وفعلا يضعوا السم فى العسل كما نقول المهم اننا نحسن التصرف معهم وهذه الهمسة موجودة فى حياتنا ونراها كل يوم وادعوا الله ألا يضعهم القدر فى طريقنا

الوردة البيضا يقول...

كلماتك رقيقة ومعبره، والوان المدونة رائعة.
ومقدرش اقول غير حسبي الله ونعم الوكيل في كل الصيادين، وقاتلي الزهور والفراشات، لأنهم لا يتركوهم ليملأوا الكون بجمالهم والوانهم، ولا يستمتعوا هم أنفسهم بهذا الجمال.
أتمنى لك التوفيق وأرجو تشرفيني في مدونتي وتقولي رأيك فيها

شيماء زايد يقول...

حبيبتي سهام

صدقتِ وأصبتِ وأوجزتِ

"المهم اننا نحسن التصرف معهم"

لا حرمنا الله تعليقاتك ولا منك حبيبتي

شيماء زايد يقول...

الورده البيضاء

كذلك انتي جميلة ومعبرة ويكفيك انك اخترتي لون النقاء الابيض

حقا حسبنا الله ونعم الوكيل
"لا يتركوهم ليملأوا الكون بجمالهم والوانهم، ولا يستمتعوا هم أنفسهم بهذا الجمال."

زرت مدونتك بالفعل وهي مدونه متميزه بارك الله في صاحبتها .

موناليزا يقول...

شيماء الجميلة
حقا اخلع القبعة تقديرا لقلمك الراقى
وعن الموضوع يحضرنى حديث رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه حينما قال"افعل ماشئت فكما تدين تدان

شيماء زايد يقول...

الرائعة موناليزا

اصبتي حبيبتي اختيارك للحديث صحيح جدا
(:
تحياتي

Unknown يقول...

ايتها الفراشة الرقيقة
الذكية جدا فى اختيار موضوعاتك
ما اعجبنى اسلوبك الادبى فى تدوين افكارك

ايتها الفراشة .. لكم تبحر الحياة مكتظه بالعديد من الصائدين .. لكن تنتشى رغبتهم بالامتلاك وان كان الامتلاك الميت المهدم المبنى على جثث .. نعم لقد امتلكت . نعم لقد انتصرت .. نعم استخدمت الطرق العادية والغير عادية لاسير على الطرق لاسلب حياة فريستى .. انا منتصر رغم الجمود انا منتصر رغم القسوة التى تخللت ملامحى وجوانحى

ما اقساه من زمن يحمل صائدين بلا قلوب ولا فراشات بلا هوى .. تتمنى لو ان يضم .. ولكن تاتى الضمة بانتهاء حياة

اعجبت جدا باسلوبك الادبى واسطرها ثانية
لك منى كامل الاحترام والتقدير
من بعيد ..بكتبلك

شيماء زايد يقول...

البحث عن أنا(ليس) شيء جنوني

أولا يشرفني ويسعدني زيارتكم الاولي لمدونتنا المتواضعه.

ثانيا اعذرني في التعديل علي اسمكم لان البحث عن الانا رحله صعبه ولكن ليست مستحيله ويوما فيوم تتكشف لنا حقيقة (الأنا) .

اما عن الزمن (فنعيب زماننا والعيب فيا ... ومل لزماننا عيب سوانا )
قد يقسو ولكنه ايضا يعطف وعلينا انا نتصالح مع انفسنا ختي نتصالح معه .

لك مني كل تقدير واحترام
ممزوج بالرضا والأمل
وشكر عميق لنفوس تعي ما تعجز عنه النفوس الفارغه .

Unknown يقول...

شيماء .. انا الاديب / عمرو الجندى

لو مش واخده بالك ...
بجد ابهرتينى بردك عندى فى احدى مدوناتى .. قمة الصدق .. شكرا لقلبك ولصدق احساسك

دمتى حالمه هامسه بين السطور :)

شيماء زايد يقول...

اهلا بحضرتك يا فندم مره اخري
بالفعل انا مكنتش واخده بالي
الاسم اللي عندي (البحث عن أنا شيء جنوني)
ولن يغير هذا من تعليقاتي شيء
((:
كل الشكر ليك يا فندم
للزياره والاهتمام والتقبل ، والابداع قبل اي شيء

خالص تحياتي