
نصف وجه
كعادته كل مساء قاد سيارته في طريق العودة إلي منزله، كان يومه شاقا في العمل مزيد من المكالمات والأرقام والصفقات؛ كذلك ينتظره يوم شاق في الغد، وبينما هو شارد في أعماله إذا بصوت فرقة مفزعة يعقبها اصطكاك وزئير سيارته علي الاسفلت بعد فرملة قاسيه دارت علي أثرها السيارة في نصف حلقة .
- أأنت بخير ... سليمة... نحمد الله نجوت بأعجوبة.
- نعم نعم أنا بخير .... رباه ليس اليوم كيف طارت تلك اللعينة... اقترب الوقت من منتصف الليل، وعلي أن اعتمد مستندات هامة في الثامنة صباحا.
أخذ يرتب هندامه المنمق بعد أن عبث به ارتطام سيارته، لم يحتاج أكثر من دقيقتين ليستعيد اتزانه بعد هول الحادثة، التقط هاتفه المحمول وبدأ يجري بعض الاتصالات.
وبينما هو في طريقة سيرا إلي منزله بدأ يستوعب ما حدث منذ قليل... هل كان علي حافة الموت، لماذا لم يعتريه الخوف أو الهلع.
عليه أن يمر علي البنك غداً... عدم وجود السيارة سوف يصعب الأمور، وبينما هو مشتت الذهن يخطو بخطوات واسعة، وقف برهة ليأخذ نفسا عميقا، يا له من هواء منعش كاد أن ينساه فقد اعتاد هواء التكيف.
هاهو يقترب من بيته فقط عليه أن يعبر هذا الطريق ويسير بمحاذاة المباني و...
أثرته، جذبه بريقها وعمقها وجمالها الهادئ، هناك تقف خلف النافذة الزجاجية تبعث سحرها لينسج خيوطه حول قلبه ، كانت مهيبة في طلتها غريبة في شكلها قد أحاطوها بأضواء خافته ناعمة ؛
اقترب منها ،تأملها ، تعلقت عيناه بها إلي أن حجبها عنه سورا من حديد.
نظر إلي الشخص الذي باعد بينهم بمنتهي الضيق ، قبل أن يستوعب الأمر ويبادر بالحديث ؛
- أريد أن أشتريها، أريد هذه اللوحة.
- عذرا سيدي تم غلق المعرض.
- ألا توجد استثناءات ؟
- كنت أود لكنه موعد الإغلاق.
- يا له من ...، حسنا سوف اشتريها غدا ، ولكن متى كان لي اهتمام باللوحات ولما تلك اللوحة بالذات! .
كان يحدث نفسه ،عندما وصل إلي منزله بدل ملابسه وحاول النوم ولكنه لم يستطع فكلما أغلق عينيه تذكر اللوحة ذلك الوجه البديع ، النصف وجه علي الأصح فالنصف الآخر كان مماه غير واضح المعالم ، نصف وجه شغل فكره و أطار النوم من عينيه .
خرج إلي الشرفة بعد أن باءت محاولات النوم بالفشل ، لم يهتم يوما باللوحات الزيتية ، كان يعشق التصوير الفوتوغرافي قديما ، نعم طالما انتظر الغروب علي الشاطئ ليلتقط أروع الصور، وهل هناك أروع من شاطئ الإسكندرية عروس البحر المتوسط .
عاد إلي حجرته وأضاء الأنوار واخذ يبحث عن الكاميرا الخاصة به ، لم يرها منذ وقت طويل هل لازلت موجودة ،إنها هنا كما تركها أهملها كثيرا ولكنها ما زالت تعمل ، عليه فقط أن يزيل عنها الأتربة .
لقد أذن الفجر ربما يستطيع أن يلحق الشروق علي الشاطئ, عليه أن يسرع إذن فليس لديه سيارة.
لا يحتاج إلي رابطه العنق ، كما انه مل تنميق شعره ، بالطبع لا يحتاج حقيبة أوراقه ، وهاتفه المحمول كذلك عليه أن يبقي هنا .
التقط أروع صور للشروق، استنشق نسيم البحر العليل، ومازال يشغله النصف وجه والنصف المماه.
تشير عقارب ساعته إلي التاسعة والنصف صباحا ولا يزال يتسكع في الشوارع .
وقف يترقب المعرض وهو يفتح أبوابه؛استند علي السور الذي يحيط الرصيف المواجه للمعرض ألقي نظرة علي ظله المماه وراءه ، وألتفت ليري النصف وجه وكأنما يرتسم علي نصف فمه ابتسامة، أطرق وجهه ثم رفعه ليري النصف المماه ،ودع النصف الظاهر واحتضن الكاميرا ومضي يبحث عن الأخر .
،تمت بفضل الله
السبت 14يونيه
الثانية صباحا